أمجد سمير: قصة نملة

قصة سليمان مع النملة والهدهد وملكة سبأ تُقسم إلى ثلاث قصص رئيسية. النملة ذُكرت في آيتين والهدهد في تسع آيات، ومع ذلك سميت السورة بسورة النمل، دلالة على أهمية الدروس المستفادة من هذه القصة.

سورة النمل مكية نزلت في فترة استضعاف الصحابة في مكة، حيث كانوا يخافون بطش الكفار ويتخفون بدينهم. هذه السورة رقم 48 في ترتيب النزول، وتتناول قضايا كبرى مثل الجنة والنار وتوحيد الربوبية.

السورة تكرر فيها لفظ العلم كثيرًا، بداية من قوله تعالى: "وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم"، حيث تأتي الحكمة قبل العلم، وهو ترتيب نادر في القرآن. هذا يبرز أهمية الحكمة في التعامل مع العلم.

النملة في القصة تدرك وجود جيش سليمان الضخم وتوجه نداءً تحذيريًا لأفرادها: "يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون". هذا يعكس إدراكها العالي وحكمتها في التعامل مع الخطر.

جيش سليمان كان هائلًا، يمتد على مساحة 500 كيلو متر مربع، يشمل الجن والإنس والطير، موزعين بشكل منظم. النملة تميزت بوعيها لوجود قائد وهو سليمان عليه السلام، وهذا يدل على إدراكها العميق.

الفرق بين العلم والحكمة واضح في السورة؛ العلم هو المعرفة والبيانات، أما الحكمة فهي القدرة على تطبيق هذه المعرفة في الوقت والمكان المناسبين. النملة تعلمت العلم والحكمة معًا، وهذا ما نفتقده أحيانًا في حياتنا.

الحكمة عند النملة تظهر في توجيهها لأفرادها بالدخول إلى مساكنهم بدلاً من الهجوم أو الذعر، مما يعكس فهمها لوضعها الحقيقي وتجنب الفتنة. الحكمة تعني وضع الشيء في موضعه المناسب، وهذا درس مهم لنا في التعامل مع الأزمات.

النملة لم تكتفِ بالعلم فقط، بل أظهرت عقلية إيجاد الحلول وعدم الاستغراق في المشكلة. هذا يعلّمنا أن نكون واقعيين وعمليين في مواجهة التحديات، كما فعلت النملة بدعوتها للعودة إلى المساكن.

النملة تتحمل دورًا اجتماعيًا هامًا في حماية مجتمعها من الهلاك، وهذا يذكرنا بأهمية دورنا في المجتمع، سواء في الأسرة أو العمل أو الدعوة، فكل منا مسؤول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

النملة تعبر عن نظام إداري مركزي، حيث تتبع الأوامر من قائدها سليمان، وهذا يوضح أهمية التنظيم والقيادة في إدارة المجتمعات الكبيرة، مع مراعاة الحكمة في اتخاذ القرارات.

الدرس الأكبر: النملة حذرت سليمان من أن فتح الدنيا وامتلاك المال والسلطة قد يؤدي إلى الفتنة وابتعاد القلوب عن ذكر الله. لذا نصحنا القرآن أن نعيش بحذر ونتربى على التقوى والابتعاد عن طغيان المادة.

في الختام، سورة النمل تعلمنا أن العلم وحده لا يكفي، بل الحكمة في تطبيقه هي الأساس. علينا أن نتعلم من النملة كيف نكون حكماء في مواجهة تحديات الحياة، ونتعامل مع المال والسلطة بما يرضي الله ويجنبنا الفتن.